Tuesday, September 20, 2016

ايامكم و ايامنا


من 5 سنين , وأنا بس أنزل من الباص مشان أروح على شغلي , بمرق عن حج كبير , وبسأله نفس السؤال وبجاوبني نفس الجواب وهو بأشر بإيده :
- كيفك يا عم ؟
- هلا يا ابني بخير , كيف حالك ؟
- بخير الله يطوِل بعمرك .. 
وبدون ما أفكر بجواب هالحج اللي هو دائما " بخير " .. بنهي الحديث وبكمل طريقي ..

بيوم عادي , ولما نزلت من الباص وشفته , كررت نفس السؤال :
- كيفك يا عم ؟
بس هالمرة طوَل لرد .. تطلعت فيه , حكالي وهو مدمع:
- بخير يا ابني ..

المفروض كان أوقف استفسر , بس ما بعرف شو صارلي ,  لقيت حالي ابتسمت ومشيت .. بس ابتساماتي كانت لتفادي الموقف مش أكثر.

لما رجعت من شغلي , وتذكرت هالحج , حزنت , وأنبني ضميري , وضليت طول اليوم متنكد , ومستني بكره بفارغ الصبر لأروح وأحكي معه.. وضليت طول الليل أحكي " ما أغباني " ليش ما عمره خطرلي أفكر شو ممكن يكون وضع هالحج وأساعده .. وحطيت براسي كثير احتمالات , إنه ولاده تاركينه , ما عنده بيت , فقير .. وضليت أفكر وأحلل لنمت..
اليوم الثاني , وعلى نفس الموعد نزلت من الباص وشفت الحج على نفس القعدة .. ( حسيت قلبي بِرد شوي , لأنه كنت خايف ما أشوفه هالمرة ويضل ضميري مأنبني كمان يوم )..

.. برضه ومثل كل يوم:
- كيفك يا عم .. 
- هلا يا ابني , كيف حالك ؟

قربت وقعدت جنبه عالرصيف , وحكيت: " بخير , الله يطول بعمرك " كنت منحرج ومتكركب شوي وهو كان يتمتم " الله يرضى عليك , الله يخليك " وأنا أرد بصوت واطي " يديمك , يخليك " لحد ما استوعبت الموقف وحكيت :

- ها يا عم , اعتبرني زي ولادك , مثل ما أنا عادك زي أبوي , وأبوي ما برضاها أشوفه لحاله وزعلان وما أساعده ..

ابتسم لدرجة إنه عيونه غمضوا , وحكالي:
- الله يعزك يا ابني , والله شوفتك الصبح بتشرح القلب وهسه أثبتلي إنه لسة في ولاد أصل .. 
- الله يطول بعمرك, بس احكيلي , ليش كل يوم بهالوقت أنت قاعد هون , ناقصك اشي ؟ الناس لبعض وشو ما بدك أنا جاهز وإذا بدك بعطيك...
وقبل ما أكمل حكالي :
- تكملش يا ابني , أنا الحمد لله عندي دار , وعندي راتب , وعندي مرة وولاد ومش ناقصني إشي..بس أنا كل يوم بطلع أصلي الفجر وبتمشى وبقعدلي على هالرصيف ساعة زمن بشوف خلق ربنا , للساعة 7 بس بعدين خلص برجع على داري.. 

 قمت من مكاني , وحكيت بإحراج :
-اعذرني يا عم وحقك علي لو عارف إنه هيك القصة ما أجيت..
ضحك وحكالي :
ولو يا إبني..
مشيت خطوتين بعدين اتذكرت مبارح , لفيت وجهي عليه وسألته : 
- طيب مبارح شو كان مالك ..؟
أشرلي بعكازته جنبه وحكالي:
- أقعد أقعد..

قعدت وصار يحكي وهو صافن :

- مبارح كنت خايف على ابني , لأنه تناقرنا ونام برا الدار وبطل يرد على تلفونه.. بس الحمد لله هسة الوضع منيح وتصافينا .. 
هزيت راسي وحكيت :
- الحمد لله..
بعدين صفنت بالناس اللي بالشارع ولقيت حالي بسأله:
- عمي , إنت دايما بخير.. !؟ 
بوجه بشوش حكالي:
- يوم هيك ويوم هيك , بس بكذب أحيانا , مثلك يعني .. مش إنت كل يوم بخير كمان!؟ 

ضحكت من قلبي , وحكيتله :
- تصدق صح , بس أنا كذاب كثير مش شوي , لإني ما عمري كنت بخير .. 
 
تطلع فيي بنظرة صارمة وحكالي :
- بصيرش يا ابني , الواحد أحيانا بكون مخنوق ومش منيح , بس مش كل يوم يقنع حاله إنه تعيس , لأنه الحمد لله إحنا مش ميتين من الجوع , وإحنا بخير طول ما ماكلين وشبعانين.. 

كأنه أجا بنقطة ضعفي .. حكيتله :

- يا عمي , أنا بديش أكون شبعان أكل .. أنا بدي أشبع حياة..مش طايق حالي , مخنوق , حاسس فش حدا صح , محروم سلام , حضارة , تطور , عقل , فهم , احترام مواطن , مصداقية وزارات , ديمقراطية , إبداع , احترام الناس لبعض , ثورتها على الظلم ,  بدي أشبع من إشي يحببني بالحياة.. 

هز براسه بعدين حكالي :
- انتوا اللي حاملين السلم بالعرض يا ابني , هينا كنا عايشين ومبسوطين وراضيين وساكتين.. 

حكيتله:
- بتعرف شو المشكلة , إنه إحنا راضيين وساكتين بس مش عارفين نعيش وولا نكون مبسوطين..ما تتهمونا بالتمرد وإنتوا ما عشتوا اللي إحنا عايشينه..

حكالي وهو معصب شوي :
- إنت شو بفهمك كيف عشنا , إحنا تعذبنا ومتنا جوع لكبرنا..

حكيتله:
- الموضوع مش موضوع جوع يا عمي..
بتعرف شو الفرق بينك إنت كعشريني زمان وبينا إحنا هسة !؟ 

الفرق إنه :
- إنتوا زمان أكثر من أخبار ناس الحي ما كانت توصلكم , فطول ما عيلتك نايمة كنت حاسس بشعور أمان ..
أما إحنا وعينا على انفتاح , تطور , أخبار العالم وين ما كان..ومن كتر التفكير مين صح ومين غلط وهيك عادي ؟ مش عارفين ننام .. !

- الفرق إنه :
- كان عندكم الشيخ مصدر وإثبات , وكنتوا تعملوا بحكيه لأنكم عارفين إنه الشيخ مستحيل يكون كذاب ..
إحنا كل شيخ ماشي عنا على نمط معين , وكل ما نرتاح لتفكير شيخ أو عالم دين , بكفروه , بحبسوه , بكرهونا فيه .. فصفينا شاكين بكل اللي بتدعوا المثالية !

الفرق إنه :
- كان حلمكم تشتغلوا , تتزوجوا , وسعادتكم مقتصرة على الشبع وعلى فرحة العيلة..
أما إحنا لما صرنا نفكر بالسعادة ونتخيلها ما نحس فيها إلا إذا تخيلنا إنا حررنا وطن .. 

الفرق إنه:
- كنتوا فقراء بس تتسهل وتعيشوا, إحنا هسة ما معك روح موت..

- الفرق إنه :
- إنتوا كنتوا ماشيين بطريق واحد ..
أما إحنا اضطرينا نكون متناقضين , لإنا كبرنا بعصر التناقض , أخبار سياسية متناقضة , إنفتاح مع وضع اقتصادي متدهور , ناس بتستغل الدين لتكذب .أقرب الناس بتخدعنا لمصلحتها .. 

- الفرق إنه كانت نفسيتكم تروق بطلعة تغيروا فيها جو بس إحنا وين ما نروح مخنوقين..
- الفرق إنه كانت لمة 10 صحاب عندكم تكون كلها عفوية , إحنا بعض مش عارفين..
- الفرق إنه إحنا انكتبلنا نكون ضايعين.

بعدين اتطلعت فيه وحكيتله:
- ما فهمت إشي صح , أنا آسف أصلا بعرفش شو بحكي , بس خلص مخنوق ومش عاجبني اشي.

هز راسه وحكالي :
- بتعرف ليش ابني مبارح طلع برا الدار !؟
- ليش !؟
- لأنه بحب بنت وبدو يتجوزها ولما رحنا نطلبها أهلها  كان شرطهم يكون عنده بيت ملك , وهو بدو يشتري بيت بس معوش وعصب لأنه أنا ما معي .. 

ضحكت بحسرة , وحكيتله :
-  اعذره يا عمي إذا عصب , بس إنتوا ربتونا على الستر  والقناعة وإنه الناس لبعض وإنها بتتيسر وإحنا ما شفنا اشي من هالحكي.. ما شفنا إلا ناس بتنتقد بعض , وبتحبط بعض وبتشمت ببعض , وبتظلم وبتفتري.. وبتحترم بعض على حسب وضعها المادي والتعليمي ..

وتوسعت الأمور وصارت الحروب زي لعبة بيت بيوت , كل يوم في قتل وظلم والناس كأنها بتتفرج على عرض مسرحي مش أكثر .. 
صرنا نحكي معقول منظر جثة مرمي عادي ؟ 
إحنا ضعنا بينكم .. بين كلامكم ومبادئكم وبين الواقع اللي صدمنا , وجبر شباب تنتحر , شباب تمرض نفسيا , شباب تموت جلطة وحسرة كل يوم.. إحنا يا عم مش عارفين وين عايشين ولا كيف نعيش ولا مستوعبين اشي من اللي بصير حولينا ومحرومين السعادة ..
متخيل شو يعني لا ناجح مبسوط , ولا عريس مبسوط  , ولا واحد أهله نايمين وهو ما ماله اشي  مبسوط .. ؟ إحنا هيك لأنه العالم كبتنا كبت .. 

أخد نفس وحكالي:
- تأخرت على شغلك يا عم ...
تطلعت على الساعة وحكيت :
- اوووه , فعلا تأخرت ..
أشرلي بإيده وحكالي :
- روح , بس دير بالك من هذيك الشقرا اللي واقفة هناك , من  يومين متبعلها , بتسرق الناس ..
اتطلعت فيها بعدين حكيتله :
- هي ما معها , وأنا ما معي , بس بتعرف شو الفرق بيني وبينها !؟
إنها مرضت نفسيا , واستسلمت , بس انا لسة بقاوم